رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ
سقط النظام في سوريا، بعد 54 عاماً من الحكم الصارم، فما هي التداعيات الإقتصادية والإجتماعية على سوريا أولاً، وأيضاً على لبنان، وعلى الشرق الأوسط والعالم؟
بالفعل، لقد سقط النظام السوري بعد نحو 54 عاماً، وسقط معه الإقتصاد الإشتراكي والشيوعي الموجّه، فيما تبقى نقطة الإستفهام: هل الحكومة الإنتقالية ستلحق هذا الإقتصاد أو ستسير نحو الإنفتاح وإعادة بناء الجسور مع المجتمع الدولي، وتلحق باقتصادات البلدان التي دعمت هذا الإنقلاب والتغيير الأخير، لا سيما تركيا وقطر وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها.
مع سقوط النظام في سوريا، ستسقط معه كل العقوبات الدولية، لأنّ هذه العقوبات، وخصوصاً قانون «قَيصر»، كانت صادرة وموجّهة في حق النظام السوري حصراً، وليس ضدّ البلد والشعب.
إذا سقطت العقوبات كما هو متوقع، سنشهد إعادة تدفّق أموال واستعادة حركة الإستثمارات والإنماء، وخصوصاً إذا ما استعادت الثقة مع رؤية واضحة موحّدة في هذا البلد الغني. فأولوية الحكومة الإنتقالية ستكون طَيّ صفحة النظام الديكتاتوري، والمفاوضات لرفع كل العقوبات، وإعادة الثقة الداخلية، الإقليمية والدولية.
إنّ سوريا بلد غني بالموارد الطبيعية، لكن أيضاً في قطاعاتها الصناعية والزراعية والتجارية، فعلينا أن نراقب بحذر إذا ما كانت شركات القطاع الخاص السورية ستبقى على الأراضي تستثمر، وإذا الحكومة الجديدة والنهج الجديد، سيستقطبان استثمارات خارجية جديدة، فالقطاع الخاص السوري يُمكن أن يلعب دوراً مهماً في إعادة إنماء هذا البلد.
منذ العام 2011، نتحدّث ونسمع ونقرأ عن إعادة إعمار سوريا، لكن هذا الوهم لن يُموّل ولن يُنفّذ بوجود الحُكم الديكتاتوري، لكن بعد سقوط النظام، هناك فرصة لإعادة هذا المشروع بأولويات البنك الدولي والبلدان المانحة لإعادة إعمار سوريا على أسُس ثابتة. فهذه الورشة إذا ما حصلت، ستبني نمواً ليس فقط لبلاد الشام، لكن أيضاً للبنان والمنطقة.
شِئنا أم أبَينا، إنّ الإقتصادَين اللبناني والسوري يتعلّقان ببعضهما البعض، فإذا واجهت سوريا حرباً جديدة داخلية أو انقساماً، فإنّ الإقتصاد اللبناني سيدفع ثمنها أيضاً. لكن إذا ما شهدت إعادة إعمار وإنماء فإنّه سيستفيد أيضاً الإقتصاد اللبناني.
بالإضافة إلى ذلك، بسقوط النظام، يسقط معه الإقتصاد غير الشرعي والتهريب، وخصوصاً منصّات تبييض الأموال وترويج المخدّرات والفساد المستشري الذي كانت تصل مخالبه إلى لبنان.
إنّ تغيير النظام في سوريا، يُمكن أن نتمنّى أن يحدّ من الإقتصاد الأسود واللاشرعي، ويُعيدنا على السكة الطبيعية للتبادل التجاري المثمر والمنتج. علماً أنّ المعابر السورية هي متنفّسنا الوحيد نحو العالم عبر الحدود البرية.
من الواضح أنّ تغيير هذا النظام بعد 54 عاماً، من الظلم ودعم الفساد، يُمكن أن يكون إيجابياً وصفحة بيضاء جديدة، ليس فقط لسوريا، لكن أيضاً للبنان والمنطقة، لكنّ تفاؤلنا حذر، لأنّ بعض البلدان المجاورة بعد تغيير نظامها الديكتاتوري، ذهبت إلى فوضى داخلية ومشاكل وانقسامات، ولا تزال حتى تاريخه تُواجه مشاكل مستعصية. وبالتحديد، تغيير الأنظمة في العراق وليبيا وإيران لم ينجح حتى الساعة، لا سيما أنّه يدفع ثمنه الباهظ الشعب والاقتصاد.
في المحصّلة، هناك نقاط استفهام كبيرة وتداعيات مباشرة وغير مباشرة، جرّاء سقوط النظام في سوريا، لكن هناك أيضاً فرصة ذهبية لإعادة بناء هذا البلد واستفادته من كل هذا الدعم الإقليمي والدولي الذي ساعد وسمح بهذا الإنقلاب.
إذا أُعيد بناء دولة مستقلة تحترم حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، تحت سقف القانون، سنشهد إنماءً كبيراً ليس فقط في سوريا، بل في لبنان والمنطقة.
من جهة أخرى، بعد «سكرة» التغيير، وإذا ما رجعنا إلى «واقع» الإنقسام والمداخلات الدولية والتقسيم، ستشهد سوريا والمنطقة أيضاً تقلّبات خطرة ومخيفة. فبعد 54 عاماً من الديكتاتورية والظلم، إنّ إعادة البناء الفكري والنظامي والدستوري سيستغرق وقتاً، فتفاؤلنا حذر، لكنّ حلمنا أصبح حقيقة، ونتمنّى ألّا تضيع هذه الفرصة الأخيرة.